الأسئلة (١٣):
أدعية أيام شهر رمضان
◄ السؤال: يُقال إن أدعية أيام شهر رمضان القصار المعروفة لم ترد في أي مصدر من مصادر الشيعة
والعامة، وأن الشيخ عباس القمي نقلها لسد الفراغ فقط، لا اعتمادًا عليها، وأن
تعابيرها ركيكة بالإضافة إلى أن تحديد ليلة القدر فيها لا يناسب ما نعتقده نحن
الشيعة، وأنها موضوعةٌ لا مشروعية ولا صحة للعمل بها، فهل ذلك صحيح؟
◄ الجواب: لا إشكال في أن الأدعية المذكورة ليست معتبرة النسبة للمعصوم، لكن الإتيان
بها جائزٌ بناءً على المعروف بين علمائنا من العمل بقاعدة «التسامح في أدلة
السنن» أو قاعدة «رجاء المطلوبية»، إلا أن يدلّ دليلٌ على وضعها، بل حتى
لو دلَّ دليلٌ على وضعها، فلا إشكال –على الرأي المعروف بين علمائنا- في قراءتها
دون التزام نسبتها للشارع المقدس.
وبيان ذلك: أقدم من ظفرتُ
بذكره لهذه الأدعية المعروفة هو السيد علي ابن طاوُس (عليه الرحمة) في كتابه «الإقبال»، حيث يذكر هذه الأدعية موزَّعةً على أبواب أيام شهر رمضان بدءًا
من الباب الخامس وحتى الباب الخامس والثلاثين(١)، وبعده ذكرها الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في كتابَيه «البلد الأمين» و«المصباح» نقلاً عن كتاب اسمه «الذخيرة»(٢)، ولم أعرف أيّ كتابٍ هذا ولِمَن.
ومن الملفت أن هناك
فروقًا بين نقلَي السيد والشيخ (رحمهما الله)، أبرزها:
- لا ينسب السيد هذه
الأدعية للرواية، فضلاً عن نسبتها لخصوص النبي (صلَّى الله عليه وآله)، بينما يقول
الكفعمي: "من كتاب الذخيرة، رواها ابن عباس عن النبي (صلَّى الله عليه وآله)"(٣).
- ينقل الكفعمي فضائل لهذه
الأدعية، فبعد دعاء اليوم الأول –مثلاً-: "مَن دعا به أُعطيَ ألف ألف حسنة،
ورُفِعَ له ألف ألف درجة، ومُحيَ عنه ألف ألف سيئة"(٤).
- اختلاف ترتيب بعض الأدعية
بينهما، كالدعاء الذي ذُكِر في «الإقبال» ليوم الثامن والعشرين(٥)، بينما ذُكِرَ في «البلد الأمين» ليوم السابع
والعشرين(٦)، ومن هنا قال العلامة المجلسي (عليه الرحمة) ما ترجمته:
"هناك تقديمٌ وتأخير بين كتب الدعوات في الأدعية وعباراتها، ولأن رواية هذه
الأدعية غير معتبرة، لم أتعرّض لذكرها، دعاء اليوم السابع والعشرين ذكره الكفعمي
في اليوم التاسع والعشرين، والأنسب الموافق لمذهب الشيعة قراءته في اليوم الثالث
والعشرين"(٧).
- اختلافاتٌ أخرى في نصوص
الأدعية نفسها، إلا أنها يسيرةٌ بعض الشيء ولا تضر باتحاد الأدعية بين الكتابَين.
وبالنظر لأصل الدعاء،
فورود ذكر ليلة القدر في دعاء اليوم السابع والعشرين يدعو لاحتمال أخذه عن بعض كتب
العامة في الأدعية والأوراد غير الواصلة إلينا، ولا يلغي هذا الاحتمال ذكر الكفعمي لهذا الدعاء ليوم
التاسع والعشرين؛ لاحتمالها في ليلته عند بعضهم أيضًا، في حين ليس هناك وجهٌ ظاهرٌ
لدينا -نحن الشيعة- لذكر ليلة القدر في دعاءٍ مخصوصٍ بهذا اليوم، ولعل هذا ما دفع
العلامة المجلسي (عليه الرحمة) إلى أن يقول قبل إيراده هذه الأدعية ما ترجمته:
"الفصل الثامن: في بيان صلوات الليالي وأدعية الأيام المشهورة، ذكرها العلماء
في كتب الدعاء وهي عند الفقير [يعني نفسَه أعزّه الله] غير معتبرة"(٨)؛ فإنه لم يُعهَد من الشيخ في «زاد المعاد» ولا
غيره اشتراطه اعتبار أسانيد الأدعية، ولا التشدّد في شأنها حتى مع قطع النظر عن
السند.
وكيفما كان، فإن قراءة
هذه الأدعية إن كانت مستندةً للكفعمي (رحمه الله) أو مَن نقل عنه لا يعتريها
الإشكال مع البناء على قاعدة «التسامح في أدلة السنن» أو «رجاء المطلوبية» إلا إن أشكل الفقيه الذي يرجع له المكلّف في دخول روايات العامة في دائرة التسامح
وأُحرِزَ أنها من روايات العامة، ولا أعرف فقيهًا معاصرًا يتبنى ذلك، أو إن
أُحرِزَ كذب الرواية وأراد المكلّف قراءة هذه الأدعية كنصوص واردة من أهل البيت
(عليهم السلام)، وهذان الموردان بعيدان عن مَن يقرأ هذه الأدعية مستندًا لما ورد
في الإقبال؛ إذ لم يرد فيه نسبتها لأهل البيت (عليهم السلام)(٩)، فلا إشكال في قراءتها على الأقوال المعروفة بين
علمائنا.
والحمد لله ربّ العالمين
١٨ من شهر رمضان ١٤٤١هـ
تعليقات
إرسال تعليق