وفاة الحوراء في منتصف رجب
◄ السؤال: هل القول بوفاة السيد زينب
(عليها السلام) في نصف شهر رجب ثابت ويملك دليلاً معتبرًا قويًّا؟
◄ الجواب: هذا هو القول المعروف
المتداول المُلتَزَم به، إلا أن ذلك مبتنٍ على التسامح في هذه الموارد؛ إذ هذا ما
يدل عليه حال الأدلة والاستدلالات التي ذكرها العلماء (رضوان الله عليهم وحفظ
الأحياء منهم وأدام بركاته) في هذا الصدد.
وبيان
ذلك أن غاية ما يُستَدَل عليه في تحديد هذا التاريخ لوفاتها (عليها السلام) هو:
١.
ما جاء في كتاب «أخبار الزينبات» -المنسوب للعبيدلي (رحمه الله)-، ونصُّه:
"حدّثني إسماعيل بن محمد البصري عابد مصر ونزيلها، قال: حدّثني حمزة المكفوف،
قال: أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي، قال: سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد
الله، عن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري، تقول: توفيت زينب بنت علي عشيّة يوم
الأحد، لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة ٦٢ من الهجرة، وشهدتُ جنازتها، ودفنت
بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن
بن عوف الزهري"(١).
فإن
السند غير معتبر، وحتى مع قطع النظر عن البحث السندي لهذا النص، فإن أصل نسبة هذا
الكتاب للسيد أبي الحسين يحيى العبيدلي محلّ ريبة، وقد التزم بعض العلماء كونه
كتابًا مجعولاً -وربما يعود زمن جعله للقرن الرابع عشر-، قال المحقق التستري (رحمه
الله) بشأنه: "وأما كتاب الزينبيات -الذي طُبِعَ في مصر مرتين، وجُدِّد طبعه
في قم ناسبًا للكتاب [الكتاب ظ] إلى يحيى هذا- فمن وضع المعاندين، وفيه أخبار
مختلطة... " وذكر بعد ذلك بعض الشواهد على ما رأى أنه "أخبار
مختلطة"(٢). وقد فصَّل السيد حسن الفاطمي (حفظه الله)
الكلامَ حول الكتاب في مقالٍ له بعنوان «بررسى اعتبار كتاب اخبار الزينبات»،
وهو فارسيٌّ بطبيعة الحال، نشرته مجلة كتابهاى إسلامي(٣).
نعم،
مَن استشهد بهذا النص لم يلتفت لحال الكتاب، كالشيخ النقدي والسيد القزويني
(عليهما الرحمة)(٤)، إلا أن ذلك لا يعني التزامهم باعتبار سند المحكي
فيه أيضًا.
ومن المناسب هنا التنبيه على أن القول بوفاتها في ١٤ رجب
إنما نشأ عن سهو قلم الشيخ ذبيح الله المحلاتي؛ إذ أنه إنما حكاه عن «أخبار
الزينبات»(٥).
٢.
ما جاء في «معالي السبطين» للشيخ الحائري المازندراني (رحمه الله)، ونصُّه:
"وجاء في الخيرات الحسان وغيره أن مجاعةً أصابت المدينة، فرحل عنها بأهله عبد
الله بن جعفر إلى الشام في ضيعةٍ له هناك، وقد حمت زوجته زينب (سلام الله عليها)
من وعثاء السفر أو ذكريات أحزان وأشجان من عهد سبي يزيد لآل الرسول (صلَّى الله
عليه وآله)، ثم توفيت على إثرها في نصف رجب سنة خمسٍ وستين للهجرة، ودُفِنَت هناك
حيث المزار المشهور"(٦).
ولعلّ
الشيخ الحائري (رحمه الله) قد تسامح في حكاية القول ولم تكن حكايته دقيقة؛ إذ لم نجد
ذكرًا للتاريخ في كتاب «الخيرات الحسان»(٧)، فربما كانت من غيره –الذي أشار له بقوله:
"وغيره"- ولم ينبّه على ذلك، أو لعلّه أراد كتابًا آخر –أي غير كتاب
اعتماد السلطنة محمد حسن خان المراغي- خفي عنّا أمره واشترك في العنوان لفظه.
وكيفما
كان، فيكتنف هذا النصَّ إشكالات، أحدها أن «معالي السبطين» -أو مَن حكى عنه
المعالي- قد تفرَّد باشتماله على التاريخ، ومنها ما ذكره السيد الأمين والشيخ
النقدي (رحمهما الله) حول أصل حكاية «السفر للشام في عام المجاعة»، قال
الشيخ النقدي (رحمه الله): "وقيل إنها توفيت في إحدى قرى الشام، نسبه في
الطراز أيضًا إلى بعض المتأخرين، وتلهج الألسن في سبب ذلك بحديث المجاعة التي
أصابت أهل المدينة المنورة، فهاجرت مع زوجها عبد الله إلى الشام وتوفيت هناك، وهو
حديثٌ لا أثر له في كتب التأريخ والسير والأنساب والتراجم، ولم يذكره المنقّبون في
الآثار مِمّن كتب في أهل البيت كالكليني، والصدوق، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى،
والشيخ الطوسي، وابن شهرآشوب، والطبرسي، وابن الفتّال، والعلامة الحلي، وابن طاوُس،
والوزير الإربلي، والمجلسي، الذي جمع فأوعى، وقد احتوت مكتبته على ما لا يوجد في
غيرها من آلاف الكتب، وتبرّز هو في الإحاطة بالسيَر والآثار وأخبار أهل البيت
(عليهم السلام)، إلى غيرهم كسبط ابن الجوزي، وابن الصباغ المالكي، وابن طلحة
الشافعي، والحافظ الكنجي، وابن الصبان، والشبلنجي، والمحب الطبري، والبدخشي،
والسيد علي الهمداني، إلى نظرائهم، وما أدري -ولا المنجم يدري- من أين جاء القائل
بحديث المجاعة وقد خلت عنه زبر الأولين الذين هم أقرب عهدًا بأمثال هذه الوقائع من
هذا القائل وذويه، وأغرب من ذلك أن بعض مَن يدَّعي وصلاً بليلى عزاه إلى كتابٍ لم
نجده فيه بعد الفحص والتتبُّع"(٨).
وبالجملة
فإن تاريخ مولدها ووفاتها (عليها السلام) مِمَّا تخلو منه الكتب المعتبرة كما
صرَّح بذلك الشيخ محمد هاشم بن محمد علي الخراساني(٩)، نعم نُقِلَت بعض الأقوال في الكتب المتأخرة،
ورُجِّح بينها بملاحظة بعض الجهات واعتُمِدَ تسامحًا عند بعضهم، فجرى العمل على
بعض هذه الأقوال؛ إحياءً لذكرى هذه الطاهرة (عليها السلام) التي يحيي ذكرُها
النفوسَ، ويجدّد حياةَ القيم الإسلامية الأصيلة، ويعيد صدى الحسين (صلوات الله
عليه) ومصيبتِه في كربلاء وأسرِ الفواطم، ولا يخفى ما لإحياء أمر أهل البيت (عليهم
السلام) من أثرٍ طيِّبٍ على حضورهم في وجدان المجتمع المؤمن، وعلى حفظ أجواء الدين
وهويته فيه، وشيوع معالمه وأدبياته.
والحمد
لله رب العالمين.
٩ شعبان ١٤٤١هـ
تعليقات
إرسال تعليق