التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأسئلة (١١): مقتل الإمام المهدي على يد امرأة


الأسئلة (١١):
مقتل الإمام المهدي على يد امرأة

السؤال: هل صحيحٌ أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يُقتَل على يد امرأة؟

الجواب: لم يرد هذا الأمر في المصادر المعتبرة، بل لم يتم التعرُّض فيها لكيفية موته (عجَّل الله فرجه) من أصلها، نعم ذُكِرَ ذلك في بعض كتب المتأخرة التي تعود للقرن الثالث عشر الهجري، ومن المحتمَل أن ذلك مأخوذٌ عن أحد كتب القرن الحادي عشر الهجري، لكن لم يُشَر في هذه الكتب لسندٍ أو مصدرٍ يسبقها، فلا مجال للاعتماد على ما أوردوه.

وبيان ذلك أنه قد ذكر الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت ١٢٤١هـ) وتلميذه السيد كاظم الرشتي (١٢٥٩هـ) والشيخ محمد جعفر شريعتمدار (ت ١٢٦٣هـ) والشيخ علي اليزدي الحائري (١٣٣٣هـ) (رحمهم الله) ما نصّه: "فإذا تمّت السبعون السنة أتى الحجةَ الموتُ، فتقتله امرأةٌ من بني تميم -اسمها «سعيدة»، ولها لحيةٌ كلحية الرجل- بهاون صخرٍ من فوق سطحٍ وهو متجاوزٌ في الطريق"(١) مع اختلافٍ يسيرٍ بينهم. وهذا الذي نقلوه كلامٌ مُرسَلٌ لم يُبَيَّن فيه الدليل الذي أُخِذَ منه هذا المضمون ولا مصدره.
نعم، مدى التقارب –أو التطابق- بين ألفاظ الحائري وشريعتمدار (رحمهما الله) في كلامهما -الذي كان المقطع المذكور جزءًا منه-، مع إشارتهما إلى أنه مأخوذٌ عن غيرهما يوحي باحتمال اتِّحاد المأخذ، قال شريعتمدار: "ثم اعلم أن كيفية الرجعة إجمالاً كما أُفيد"(٢)، وقال الحائري: "ملخص الاعتقاد في الغيبة والظهور ورجعة الأئمة لبعض العلماء"(٣).
ويُحتَمَل أنهما –أو الجميع- قد أخذ ذلك عن خاتمة كتاب «أصول الدين» للسيد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي (رحمه الله) (ت١٠٥٩هـ ت)؛ لاتفاق صدر كلامه مع صورة صدر كلاميَهما، نبّه على ذلك السيد علي عاشور (حفظه الله) في تعليقه على عبارة «إلزام الناصب» الآنفة(٤).

وبملاحظة ما تقدَّم، يتَّضح أن هذا النصّ لا يتوفّر على ما يبرّر الاعتمادَ عليه، وهذا ما صرَّح به بعض العلماء، ومنهم السيد القزويني (رحمه الله) الذي قال تعليقًا على كلام الحائري: "أقول: يا ليت ذلك العالم ذكر تلك الروايات التي التقط منها كيفية شهادة الإمام المهدي (عليه السلام)؛ حتى يتضح لنا هذا الكلام. ويا ليت المؤلف صرّح باسم ذلك العالم الذي ذكر هذه الخلاصة. وعلى كلّ حالٍ، فالكلام لا يخلو من الغموض والإجمال"(٥)، نعم، نبَّه السيد (رحمه الله) قبل ذلك على شمول «ما منّا إلا مسمومٌ أو مقتول» للإمام (عجَّل الله فرجه) باعتباره أحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وإن لم يتيسَّر لنا تحديد القتل أو السم فضلاً عن كيفيتهما(٦).

والحمد لله ربّ العالمين.
٢٢ شعبان ١٤٤١هـ



) إلزام الناصب ٢: ١٣٩ [ط١ مؤسسة الأعلمي]، البراهين القاطعة ٣: ٤٤٦ [ط١ بوستان كتاب]، شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ٣: ٧٣ [ط مؤسسة الإحقاقي]، أصول العقائد: ١٧٢ [ط١ دار المحجة البيضاء].
) البراهين القاطعة ٣: ٤٤٥.
) إلزام الناصب ٢: ١٣٨.
) نسبها سهو قلم السيد (حفظه الله) لكتاب «تفريج الكربة»، إلا أنّه أشار لكلام الأغا بزرگ (رحمه الله) في ذريعته، وقد تبيّن بعد الرجوع للذريعة أن العبارةَ من «أصول الدين»، وقد أردتُ قطع الشك باليقين من خلال الرجوع لكتاب «أصول الدين» وملاحظة تمام العبارة، إلا أنني لم أُوفَّق للعثور على نسخةٍ منه، ولأن النص المنقول في الذريعة (٢: ١٩٣ [ط دار الأضواء]) يصرّح بأن المذكور في أصول الدين مختصرٌ من رسالة السيد الحسيني (رحمه الله) في الرجعة، قمتُ بمراجعة نسختَين مخطوطتَين من «تفريج الكربة» إلا أنني لم أوفَّق للعثور على نصٍّ يشتمل على ذكر سعيدة التميمية هذه وفعلتها، فلعلّها مأخوذةٌ عن رسالةٍ غيرها كُتِبَت في نفس الموضوع، أو أن الظن برجوع العبارة له ليس في محله.
) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور: ٦٣٨-٦٣٩ [ط١ مؤسسة الوفاء].
) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور: ٦٣٧-٦٣٨.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب ◄ السؤال: هل القول بوفاة السيد زينب (عليها السلام) في نصف شهر رجب ثابت ويملك دليلاً معتبرًا قويًّا؟ ◄ الجواب: هذا هو القول المعروف المتداول المُلتَزَم به، إلا أن ذلك مبتنٍ على التسامح في هذه الموارد؛ إذ هذا ما يدل عليه حال الأدلة والاستدلالات التي ذكرها العلماء (رضوان الله عليهم وحفظ الأحياء منهم وأدام بركاته) في هذا الصدد. وبيان ذلك أن غاية ما يُستَدَل عليه في تحديد هذا التاريخ لوفاتها (عليها السلام) هو: ١. ما جاء في كتاب «أخبار الزينبات» -المنسوب للعبيدلي (رحمه الله)-، ونصُّه: "حدّثني إسماعيل بن محمد البصري عابد مصر ونزيلها، قال: حدّثني حمزة المكفوف، قال: أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي، قال: سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد الله، عن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري، تقول: توفيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد، لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة ٦٢ من الهجرة، وشهدتُ جنازتها، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ( ١ ) . فإن السند غير معتبر، وحت

تعليقٌ على كلام الشيخ الغروي حول البحارنة

‏انتشرت قبل أيام مقاطع ثلاث للمؤرخ الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي (حفظه الله)، يتحدث فيها حول «ابتلائنا بالشيعة البحارنة» -على حد تعبيره- وذلك في ما يرتبط بجعل الروايات ونقل المجعول منها؛ وذلك لأنهم أخبارية فلا يرون حرمة الكذب «لأهل البيت علیهم السلام»، ‏ولأجل استمرار تداول هذه المقاطع والسؤال عنها حتى هذه اللحظة وسعة انتشارها وغير ذلك، أحببت التعليق ببعض كلماتٍ أرجو بها الخير والنفع، لكني أقدِّم لذلك بأمرَين: • أولهما: الشيخ (حفظه الله) مؤرِّخٌ وصاحب مؤلفات نافعة، ولا يعني تعليقي هاهنا أنّي أرى غير ذلك إطلاقًا، بل أحترمه وأجلّه. ‏• وثانيهما: لا تعني نسبتي بعضَ الأمور لعلماء إيران أني أرى علماء إيران أقل شأنًا أو أني أنكر فضلهم في التشيّع، في الساحة العلمية وما هو أوسع منها، لا من بابٍ قوميٍّ ولا من سواه، بل إني أحترم وأقدّر حتى مَن سأشير لهم بالخصوص، بل ولا ألتزم ما يُدّعى في نقلهم ورواياتهم. ‏المقاطع الثلاث مأخوذةٌ من ندوةٍ لسماحة الشيخ بعنوان «النبي والوصي في آيات الغدير»(١)، أُقيمَت في أحد مرافق العتبة العباسية في كربلاء المقدسة، وذلك في ٣٠ أغسطس ٢٠١٩م، أي قبل نحو عامٍ من هذه الأ

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان ◄ السؤال: يُقال إن أدعية أيام شهر رمضان القصار المعروفة لم ترد في أي مصدر من مصادر الشيعة والعامة، وأن الشيخ عباس القمي نقلها لسد الفراغ فقط، لا اعتمادًا عليها، وأن تعابيرها ركيكة بالإضافة إلى أن تحديد ليلة القدر فيها لا يناسب ما نعتقده نحن الشيعة، وأنها موضوعةٌ لا مشروعية ولا صحة للعمل بها، فهل ذلك صحيح؟ ◄ الجواب: لا إشكال في أن الأدعية المذكورة ليست معتبرة النسبة للمعصوم، لكن الإتيان بها جائزٌ بناءً على المعروف بين علمائنا من العمل بقاعدة «التسامح في أدلة السنن» أو قاعدة «رجاء المطلوبية»، إلا أن يدلّ دليلٌ على وضعها، بل حتى لو دلَّ دليلٌ على وضعها، فلا إشكال –على الرأي المعروف بين علمائنا- في قراءتها دون التزام نسبتها للشارع المقدس . وبيان ذلك: أقدم من ظفرتُ بذكره لهذه الأدعية المعروفة هو السيد علي ابن طاوُس (عليه الرحمة) في كتابه «الإقبال»، حيث يذكر هذه الأدعية موزَّعةً على أبواب أيام شهر رمضان بدءًا من الباب الخامس وحتى الباب الخامس والثلاثين (١) ، وبعده ذكرها الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في كتابَيه «البلد الأمين» و«المصباح» نقل