بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرًا ما يتمّ تداول المثل القائل: (ناقل الكفر ليس بكافر) في الحوارات وغيرها، إلا أنني أشعر أن بعض هذا التداول ربما اشتمل على غفلةٍ أو اشتباهٍ في جوانبٍ ما من بعض الإخوة الكِرام، فلا بأس بهذه الكلمات:
عبارة المثل تنتهي بكلمةٍ مُقَدَّرةٍ غير ملفوظة، وقد برَّر الاستغناء عنها وضوحها وهي "بالضرورة"، فالمراد نفي الملازمة بين النقل واعتقاد الناقل بمنقوله. وليس لـ(الكفر) في استعمالات هذا المثل موضوعيةٌ، وهذا شأن الأمثال، فالمراد منه: "ليس الناقل لقولٍ ما معتقدًا به بالضرورة"، ومن الواضح أن نفي الملازمة بين النقل واعتقاد الناقل بالمنقول لا يعني نفي احتمال الاعتقاد، بعبارةٍ أوضح: حينما أقول أن ناقل الكفر ليس كافرًا بالضرورة، فهذا لا يعني نفي احتمال أن ينقل الكفر كافرٌ، عندما أقول أن ناقل شيءٍ ما ليس مستلزمًا لاعتقاده به، لا يعني أن كل من ينقل أمرًا فهو لا يعتقد به، وبالالتفات لذلك، نلتفت كذلك إلى أنه قد ينقل الناقل أمرًا ما وهو معتقدٌ به أيضًا، نعم اعتقاده هذا لا يُستدَل عليه بأصل كونه ناقلاً، بل يُستفاد من قرينةٍ سواء لفظيةٍ تلفَّظ بها أو غيرها من القرائن التي يسوغ الاعتماد عليها في مثل ذلك.
الأمر الآخر الجدير بالالتفات هو أن الناقل وإن لم يكن معتقدًا بنقله إلا أنه لا بُدَّ له من الالتفات لما ينقله ولمقام حديثه حتى لا يقع في محذورٍ ويرتكب بذلك ما لا يَحسُن منه، ففعله ذميمٌ حينما يصدق عليه أنه نميمةٌ -مثلاً-، وهو كذلك حينما يشتمل على ما يَقبح التصريح به، فيُمَثِّل النقل وقاحةً أو شناعةً -مثلاً-،وإن كان هذا القبح مرتفعًا في بعض الحالات لضرورةٍ تقتضي التصريح، فالضرورات تُقَدَّر بقدرها، ومن غير الخفي أن هذا القُبح للألفاظ يختلف في بعض الأحيان بين عُرفٍ وآخر.
تعليقات
إرسال تعليق