الأسئلة (2):
همستا النبي (ص) للزهراء (ع) في مرضه، هل صحّ سندها؟
للتحميل بصيغة pdf:
https://goo.gl/q8qmV1
همستا النبي (ص) للزهراء (ع) في مرضه، هل صحّ سندها؟
للتحميل بصيغة pdf:
https://goo.gl/q8qmV1
◄ السؤال: ورد في بعض الكتب: "ينقل المؤرخون أنها دخلت عليه وهو في
حال الاحتضار واحتضنته، فهمس في أذنها همسةً أبكتها، فهمس همسةً أخرى أضحكتها،
فقيل لها ما أسرع الضحك إلى البكاء؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله في حياته،
ولمَّا سئلت عن ذلك بعد وفاته قالت: "إنه همس في أذني أولاً أنه سيلاقي وجه
ربه وأنه نُعيَت إليه نفسه، فبكيت، ثم همس في أذني ثانيةً أنّي أول الناس لحوقًا
به من أهل بيته، فضحكت... "، هل سند هذه الرواية قوي؟
◄ الجواب: ورد مضمون ذلك -لا لفظه- في كتب أهل السنة بأسانيد
متعددة تنتهي أشهرها إلى عائشة وابن عباس
مع اختلافٍ في بعض الألفاظ والتفاصيل، وقد قال البغوي –وهو من علماء أهل
السنة- عن الحديث: "هذا حديثٌ مُتَّفَقٌ على صحته"(1)، وأصل هذه الحادثة وبعض
تفاصيلها مِمَّا يُطمَأنُّ بحصوله.
وإن أردت التفصيل، قلت:
● أولاً: طرق الحديث
طرق الحديث متعددة وتنتهي في ظاهرها إلى خمسة:
○ عائشة
وما انتهت أسانيده
إلى عائشة أشهره ما رواه عنها مسروق، وحكى أبو نعيم في حلية الأولياء رواية أبي
الطفيل الحديثَ عنها، وكذا عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبدالرحمن ويحيى بن عباد(2) وفاطمة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة(3). ورد في أهم كتب أهل السنة
كصحيحَي البخاري(4) ومسلم(5) ومسند أبي داود الطيالسي(6) ومسند أحمد(7)، فهو معتبرٌ عندهم.
أما في كتب الشيعة الإمامية، فقد رواه الشيخ الصدوق (رحمة الله
عليه) في الأمالي(8)، لكن بإسناده عن رواة أهل
السنة، وكذا فعل ابن شهر آشوب (رحمه الله) في المناقب(9)، وهو ظاهر ما فعله النيسابوري
(رحمه الله) في روضة الواعظين(10)، وكذا فعل غيرهم مِمَّن أورده من علماء الشيعة.
وكذا فعل الإسماعيلي –على
الظاهر- القاضي النعمان في كتابه شرح
الأخبار(11).
ومِمَّا رُويَ مُنتهيًا إلى عائشة ما ورد في سنن ابن ماجه، قال: حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا عبدالله بن نمير، عن زكريا، عن فراس، عن عامر، عن مسروق،
عن عائشة، قالت: اجتمعن نساء النبي (صلَّى الله عليه وآله) فلم تغادر منهن امرأة،
فجاءت فاطمة كأنَّ مِشيتَها مِشيةُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقال:
"مرحبًا بابنتي"، ثم أجلسها عن شماله، ثم إنه أسرَّ إليها حديثًا، فبكت
فاطمة، ثم إنّه سارَّها، فضحكت أيضًا، فقلتُ لها: "ما يُبكيكِ؟"، قالت: "ما كنتُ لأفشي سرَّ رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله)"، فقلتُ: ما رأيتُ
كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فقلتُ لها حين بكت: "أ خصَّكِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بحديثٍ
دوننا ثم تبكين؟"، وسألتها عمَّا
قال، فقالت: "ما كنتُ لأفشي سرَّ
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)". حتى إذا قُبِضَ
سألتها عمَّا قال، فقالت: "إنه كان يحدِّثني
أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عامٍ مرَّة، وأنَّه عارضه به العام مرَّتين "ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وأنَّكِ أول أهلي
لحوقًا بي، ونعم السَّلف أنا لكِ"، فبكيتُ، ثم إنَّه
سارَّني، فقال: "أ لا ترضين أن
تكوني سيِّدة نساء المؤمنين -أو نساء هذه الأمة-؟" فضحكت لذلك"(12).
○ عبدالله بن عبّاس
وأما ما انتهت
أسانيده إلى ابن عباس، فربما قيل إنه أصلها روايتَان عنه، أولاهما في سياق حديثه
عن نزول سورة (النصر)، والثانية في غير ذلك.
وردت الأولى في سنن الدارمي(13) بسندٍ علَّق عليه المحقق حسين
سليم أسد بـ:"إسناده صحيح"(14). وقد رواها أيضًا فرات الكوفي –المُحتَمَل تَزَيُّده(15)- في تفسيره إلا أنَّه لم يفصِّل
الإسناد، فقال: "حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين الدوسي الرقي
معنعنًا عن ابن عباس (رضي الله عنه)... "(16)، وهذا يجعل احتمال انتهاء
الإسناد إلى رواة السنة قائمًا.
قال الدارمي: أخبرنا
سعيد بن سليمان، عن عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
لمَّا نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح}(17)، دعا رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) فاطمةَ، فقال: "قد نُعِيَت إليَّ نفسي"، فبكت، فقال:
"لا تبكي؛ فإنّك أول أهلي لاحقٌ بي"، فضحكت، فرآها بعض أزواج النبي
(صلَّى الله عليه وآله)، فقُلنَ: يا فاطمة، رأيناكِ بكيتِ ثم ضحكتِ؟ قالت: إنه
أخبرني أنه قد نُعيَت إليه نفسه، فبكيت، فقال لي: "لا تبكي؛ فإنك أول أهلي
لاحقٌ بي"، فضحكت"... (18).
وروى الثانيةَ القطب
الراوندي في قصص الأنبياء، فقال: وعنه [أي الصدوق]: حدَّثنا محمد بن أحمد
الشيباني: حدَّثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي: حدَّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي:
حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن عبدالله بن يحيى المدائني: حدَّثنا الأعمش، عن عبادة،
عن ابن عباس(19)، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) في مرضه الذي توفّي فيه، فقال: "نُعيَت إليَّ نفسي"،
فبكت فاطمة (عليه السلام)، فقال لها: "لا تبكين(20)؛ فإنَّكِ لا تمكثين من بعدي إلا اثنين وسبعين يومًا
ونصف يوم حتى تلحقي بي، ولا تلحقي بي حتى تُتْحَفَي بثمار الجنة"، فضحكت
فاطمة (عليه السلام)(21).
○ أم سلمة
هذا وقد رُويَ كذلك
بإسنادٍ ينتهي إلى أم سلمة (سلام الله عليها)، قال الترمذي في سننه: حدَّثنا محمد
بن بشَّار، قال: حدَّثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدَّثني موسى بن يعقوب
الزمعي، عن هاشم بن هاشم أنَّ عبدالله بن وهب أخبره أنَّ أمَّ سلمة أخبرته: أن
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) دعا فاطمةَ عام الفتحِ، فناجاها، فبكت، ثمَّ
حدَّثها، فضحكت، قالت: فلمَّا توفِّيَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) سألتها عن
بكائها وضحكها. قالت: "أخبرني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنه يموت،
فبكيت، ثمَّ أخبرني أنِّي سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، فضحكت"(22). وقال الترمذيُّ نفسه:
"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه"(23)، أي إسناده حسنٌ، لكن
لم يجئ الحديث عن أم سلمةَ بسندٍ غير هذا. وروى النسائي نحوه عن هلال بن بشر عن
محمد بن خالد أيضًا(24).
○ أمير المؤمنين
هذا وقد رواها الحادثة الإربلي (رحمة الله عليه) مرسلاً عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)، قال في كشف الغمة: وعن عليٍّ (عليه السلام)، قال: كان جبرئيل (عليه
السلام) ينزل على النبي (صلَّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قُبِضَ فيه في كلِّ
يومٍ وفي كلِّ ليلة –إلى أن
يقول:- ثم أذن للنساء، فدخلنَ عليه، فقال لابنته: "ادني مني يا فاطمة"،
فأَكَبَّت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعًا، فقال لها:
"ادني منِّي"، فدنت منه، فأكَبَّت عليه، فرفعت رأسها وهي تضحك،
فتعجَّبنا لما رأينا، فسألناها، فأخبرتنا إنه نعى إليها نفسه، فبكت، فقال:
"يا بُنَيَّة، لا تجزعي؛ فإنِّي سألتُ ربِّي أن يجعلكِ أول أهل بيتي لحاقًا
بي، فأخبرني أنه استجاب لي"، فضحكت... (25).
○ أم حبيبة
كما روى ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره مرسلاً أيضًا، لكن عن أم حبيبة،
قالت: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح}(26)، قال
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): "إن الله لم يبعث نبيًّا إلاَّ عمَّر في
أمَّته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، وإن عيسى بن مريم كان أربعين سنةً في بني
إسرائيل، وهذه لي عشرون سنةً وأنا ميِّتُ في هذه السنة"، فبكت فاطمة، فقال
النبي (صلَّى الله عليه وآله): "أنتِ أوَّل أهل بيتي لحوقًا بي"،
فتبسَّمت(27).
● ثانيًا: مضامين الرواية
بالنظر للطرق المتعددة
للرواية ولألفاظها والتي ذُكِرَت نماذج منها، يمكننا القول بالاطمئنان بحصول أصل
الحادثة، بل كذا الاطمئنان أيضًا حتى ببعض تفاصيلها ككَون ذكر النبي (صلَّى الله
عليه وآله) لدنوِّ أجله سببًا لبكائها في تلك الحادثة.
○ أول أهل بيته لحاقًا به
ورغم اختلاف الرواية في موضع ذِكر كونها (عليها السلام) أول أهل بيته
لحاقًا به، فذُكِرَت في بعض الطرق مع إخباره (صلَّى الله عليه وآله) بدنوِّ أجله
كسببٍ لبكائها، وذُكِرَت في غيرها مع إخباره بكونها سيدة نساء العالمين كسببٍ
لسرورها، ولم تُذكَر في أخرى، وذُكِرَت دون ذِكرِ سيادتها على نساء العالمين في
غيرها، رغم ذلك إلا أنه يرجح كون هذا المضمون مِمَّا بعث السرور في فؤادها، ولعلَّ
متابعة ألفاظ ما روي عن عائشة بشتّى الطرق مِمَّا يعين في ترجيح ذلك.
وأما أصل كونها أول أهل بيته لحوقًا به، فلم أرَ من اعترض على ذلك، نعم،
ما تضمَّنته رواية ابن عباس الثانية من أنها لا تمكث بعده (صلَّى الله عليه وآله)
إلا اثنين وسبعين يومًا خلاف الأقوال المعروفة، ومنها ما ورد بسندٍ صحيحٍ في الكافي، قال الكليني: محمد بن يحيى، عن أحمد بن
محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عُبَيدةَ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "إن فاطمةَ
مكثت بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) خمسةً وسبعين يومًا"(28)، نعم ربما
قيل إن لفظ "اثنين وسبعين" في رواية ابن عبَّاس مُصَحَّفٌ، والله أعلم.
○ سيدة نساء العالمين
ورد في ألفاظ بعض طرق الرواية تبشيرها (صلوات الله عليها) بأنها "سيدة نساء العالمين" أو "سيدة نساء المؤمنين" أو "سيدة
نساء أهل الجنة"، وأكثر ما روي عن
عائشة وقع الترديد فيه بين هذه الألفاظ وبين لفظ "سيدة نساء هذه الأمة". وروي عن أم سلمة لفظ "سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت
عمران"، ومن المستبعد أن يكون الاستثناء من أصل رواية أم سلمة، فلعلَّها من
أحد الرواة الواقعين بين النسائي والترمذي وبين أم سلمة.
وكيفما كان، فثبوت هذا المقام لها عندنا مِمَّا لا ينبغي النزاع فيه،
وتفصيل الكلام فيه يُترَكُ لمحلّه إن شاء الله (تعالى).
والحمدلله ربِّ العالمين.
25 ربيع الأول 1440هـ
(15) قال محقّق تفسيره محمد الكاظم: "وربما كان من الناحية
الفكرية والعقائدية زيديًا أو كان متعاطفًا معهم ومخالطًا إيَّاهم ومتمايلاً إليهم
على الأقل، كما يبدو واضحًا لمن يُلاحظ في الكتاب مشايخه وأسانيده وأحاديثه، فهو
أشبه ما يكون بكتب الزيدية وليس فيه نصٌّ على الأئمة الاثني عشر وإن كان مُكثِرًا
في الرواية عن الصادقَين بنصوصٍ تؤكِّد على إمامتهما وعصمتهما، لكن في المقابل
يروي عن زيد أحاديث تنفي العصمة عن غير الخمسة من أهل البيت، وربما كان السبب في
عدم ذكره في الكتب الرجالية هو أنه لم يكن إماميًا حتى تهتم الإمامية به، ولم يكن
سنيًا حتى تهتم السنة به، بل هو من الوسط الزيدي في الكوفة... " (تفسير فرات
الكوفي 1: 11 [ط1 مؤسسة التاريخ العربي]).
تعليقات
إرسال تعليق