التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأسئلة (٣): ورود الاستخارة بالقرآن عن أهل البيت




الأسئلة (٣):
ورود الاستخارة بالقرآن عن أهل البيت (عليهم السلام)
 للتحميل بصيغة pdf:
https://goo.gl/wsQyzi


السؤال: يُقال إن الاستخارة بالقرآن الكريم لم ترد عن أهل البيت (عليهم السلام)، فهل هذا صحيح؟
الجواب: إن كان المراد هو أن هذا النوع من الاستخارة ليس متفقًا عليه بين العلماء، فهو صحيح؛ فقد خالف فيه بعض الفقهاء الماضين، وإن كان المراد أنه لم ترد روايةٌ بذلك أصلاً، فهو غير صحيح؛ إذ قد وردت عدة روايات في ذلك، بل والتزم بالعمل بها وأجازه جمعٌ من العلماء، نعم يُنبِّه جمعٌ منهم -كالسيد السيستاني مثلاً- على أن القدر المتيقَّن من مشروعيتها هو الحيرة بعد الاستشارة أو تعذُّرها.
وإن أردت التفصيل قلت:
أولاً: ورود الاستخارة بالقرآن في روايات العترة )عليهم السلام)
أورد علماؤنا في كتبهم عدة روايات في شأن الاستخارة بالقرآن، وقد أشار لإحداها الشيخ الحر (رحمه الله) في بابٍ بعنوان: «استحباب استخارة الله ثم العمل بما يقع في القلب عند القيام إلى الصلاة وافتتاح المصحف والأخذ بأول ما يرى فيه» وهو من أبواب صلاة الاستخارة في الوسائل(1)، واستدرك عليه المحدِّث النوري (رحمه الله) بخمس روايات ولعلَّ الأدق: أربع روايات- في مستدركه(2).
ولعلَّ من أبرز ما ورد في المقام هو ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسنده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضَّال، عن أبيه، عن الحسن بن الجهم، عن أبي علي، عن اليسع القمي(3)، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أريد الشيء، فأستخير الله فيه فلا يوفِّق فيه الرأي، أفعله أو أدعه؟ فقال: انظر إذا قمتَ إلى الصلاة: فإنَّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة، فانظر إلى شيءٍ يقع في قلبك، فخذ به، وافتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه، فخذ به إن شاء الله (تعالى)(4).
والظاهر أن مراد اليسع من قوله: "فأستخير الله فيه فلا يوفّق الرأي" أنه لا يظهر لي بعد طلب الخير من الله ترجيحٌ في الفعل أو الترك أعمل به، وهذا نوع من الاستخارة، وهو ما التزم به العلامة المجلسي (رحمه الله)(5).
ثانيًا: اختلاف العلماء في شأن الاستخارة
أما ما جرى من اختلافٍ في شأن الاستخارة بين أهل العلم، فلأذكر ما أرى أنه أهمه، وأثنِّي بآخر جدير بأن يُطَّلع عليه:
الثابت من الاستخارة
ناقش بعض علمائنا في ما يثبت من الاستخارة، ولعلَّ مرجع الاختلاف الأهم لتحديد المعنى الثابت للاستخارة، وهو ما يمكن أن يُستَظهَر من كلام المحقق الحلي؛ حيث قال (رحمه الله): "صلاة الاستخارة مشروعةٌ مؤكَّدة، وهي أن تُصَلِّي ركعتَين، وتسألَ الله (تعالى) أن يجعل ما عزمتَ عليه خيرَه (..)، أما الرقاع، فيتضمَّن: >افعل ولا تفعل<، وفي خبر الشذوذ، فلا عبرة بها"(6)، فكأنه بنى على أن روايات الاستخارة التي تشتمل على «افعل ولا تفعل» تقابل روايات الاستخارة الأخرى التي لا تشتمل على ذلك، وأنهما متعارضتان في تحديد معنى «الاستخارة»، وبالتالي يرجح «المشهور» من الروايات على ما يقابله، أي «الشاذ».
وربما كان كلام ابن إدريس أوضح منه، يقول (رحمه الله): "وإذا أراد الإنسان أمرًا من الأمور لدينه أو دنياه يستحب له أن يصلي (..)، فأما الرقاع والبنادق والقرعة، فمن أضعف أخبار الآحاد وشواذّ الأخبار (..)، وأيضًا فالاستخارة في كلام العرب الدعاء، وهو من استخارة الوحش (..)، وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول: إن معنى قولهم: «استخرت الله» استفعلت من الخير، أي سألت الله أن يوفِّق لي خير الأشياء التي أقصدها، فمعنى صلاة الاستخارة على هذا، أي صلاة الدعاء"(7).
ومِمَّن ناقَش هذين العلمَين وردَّ عليهما مقولتهما العلامة الحلي (رحمه الله) في «مختلف الشيعة» (8) والمحقق البحراني الشيخ سليمان الماحوزي (رحمه الله) في كتابه «المنارات الظاهرة» (9).
 الاستخارة للغير
هذا وقد تناول السيد ابن طاوس (رحمه الله) مسألةً لم أرَ من سبقه في تناولها، وهي مشروعية الاستخارة للغير ووَجهِها، فكان مِمَّا قال: "اعلم أنني ما وجدت حديثًا صريحًا أن الإنسان يستخير عن سواه" إلا أنَّه نظَّر لها عبر أحاديث قضاء حوائج الإخوان بالدعاء وغيره، ثم قال: "ولأن الإنسان إذا كلَّفه غيره من الإخوان الاستخارة في بعض الحاجات، فقد صارت الحاجة للذي يباشر الاستخارات، فيستخير لنفسه وللذي يكلّفه الاستخارة، أما استخارته لنفسه بأنه هل المصلحة للذي يباشر الاستخارة في القول لمن يكلِّفه الاستخارة، وهل المصلحة للذي يكلفه الاستخارة في الفعل أو الترك؟... "(10).
وعلَّق الشيخ المجلسي (رحمه الله) على كلامه هذا بكلامٍ لا تخفى وجاهته، فقال: "ما ذكره السيد من جواز الاستخارة للغير لا يخلو من قوة للعمومات، لا سيّما إذا قصد النائب لنفسه أن يقول للمستخير: >أفعل أم لا< كما أومأ إليه السيد، وهو حيلةٌ لدخولها تحت الأخبار الخاصة، لكن الأولى والأحوط أن يستخير صاحب الحاجة لنفسه لأنَّا لم نرَ خبرًا ورد فيه التوكيل في ذلك، ولو كان ذلك جائزًا أو راجحًا، لكان الأصحاب يلتمسون من الأئمة (عليهم السلام) ذلك، ولو كان ذلك، لكان منقولاً، لا أقل في رواية، مع أن المضطر أولى بالإجابة و دعاؤه أقرب إلى الخلوص عن نية"(11).
تنويه:
من الجدير الالتفات إلى ما أكَّد عليه جملةٌ من الفقهاء وهو أن محل الاستخارة أي بالمعنى المشتمل على >افعل ولا تفعل<- عند حصول الحَيرة بعد التدبُّر ومشورة أهل المشورة أو تعذُّر المشورة، ومِمَّا ورد من استفتاءات موقع السيد السيستاني (حفظه الله):
السؤال: ما رأي سماحتكم في الاستخارة بالقرآن الكريم؟
الجواب: يجوز الاعتماد على الاستخارة، ولكن بعد عدم التمكن من رفع الحَيْرة بالتدبر ومراجعة أهل الخبرة ومشاورة الأهل والأصدقاء، فإن بقيت الحَيْرة ولم يمكن ترجيح أحد الأمرَيْن أو الأمور، فالاستخارة تُرًجِّح أحد الأطراف وليس لها شأنٌ آخر كالكشف عن الغيب(12).
أما الاستخارة بالمعنى الآخر، أي طلب حصول الخير أو التوفيق له، فلا ريبُ في حُسنها سواء حصلت حَيْرةٌ أم لم تحصل.
والحمد لله رب العالمين.
6 جمادى الأولى 1440هـ



(1) وسائل الشيعة 8: 78/ ك الصلاة، أبواب صلاة الاستخارة، ب6 استحباب استخارة الله... [ط1 مؤسسة آل البيت ع لإحياء التراث]
(2) مستدرك الوسائل 6: 258-261/ ك الصلاة، أبواب صلاة الاستخارة، ب5 استحباب استخارة الله... [ط1 مؤسسة آل البيت ع لإحياء التراث]
(3) في المصادر والمراجع خلافٌ حول الراجح من "أبي علي، عن اليسع" أو "أبي علي اليسع"، ويظهر من الشيخ المامقاني (رحمه الله) تبنّي الثانيَ (تنقيح المقال 3: 329 [ط الحجرية])، أما السيد هاشم التوبلاني (رحمه الله) فقد حكى عنه الشيخ الدمستاني (رحمه الله) ما ظاهره تبني الأول، وقال (عليه الرحمة): "أحمد بن محمد بن أبي نصر يكنَّى أبا علي كما في الفهرست، وفي رجال الصادق (عليه السلام) من كتاب الشيخ: حمزة واليسع ابنا اليسع. وفي الكافي باب صيد الحرم: أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمزة ابن اليسع. ولعلّه عن الأخوَين، أو لفظ (ابن) قبل (اليسع) ناقصٌ سهوًا" (انتخاب الجيِّد 1: 49/ ك الصلاة، ب الصلاة المرغب فيها [ط1 مؤسسة طيبة لإحياء التراث])
(4) تهذيب الأحكام 3: 342/ ك الصلاة، ج2، أبواب الزيادات... ، ب31 من الصلوات المرغب فيها، ح6(960) [ط1 دار الكتب الإسلامية]. وكذا ورد في كتاب الغايات لجعفر بن أحمد القمي مع اختلافاتٍ يسيرة (جامع الأحاديث ويليه... : 232/ الغايات، ب56 أبعد ما يكون الشيطان من ابن آدم، ح185 [ط2 مجمع البحوث الإسلامية / استان قدس رضوي]).
(5) ملاذ الأخيار 5: 593/ ك الصلاة، ج2، أبواب الزيادات، ب31 من الصلوات المرغب فيها، ح6 [ط مكتبة المرعشي النجفي].
(6) المعتبر 2: 375-376/ ك الصلاة، المقصد الثاني: في بقية الصلوات، [المندوبة]، [صلاة الاستخارة] [ط منشورات ذوي القربى/ مصورة عن: ط مدرسة سيد الشهداء ع].
(7) السرائر 1: 454-456/ ك الصلاة، ب14 النوافل المرتبة في اليوم والليلة... [ط1 دليل ما].
(8) مختلف الشيعة 2: 355-356/ ك الصلاة، ب3 في باقي الصلوات، في باقي النوافل، صفة صلاة الاستخارة [ط3 مؤسسة النشر الإسلامي].
(9) المنارات الظاهرة: 77-82/ ف2 في كيفية الاستخارة، استخارة ذات الرقاع [ط مركز الإمام الصادق ع لإحياء تراث البحرين].
(10) فتح الأبواب: 281-282/ ب22 في استخارة الإنسان عن من يكلِّفه الاستخارة من الإخوان [ط2 مؤسسة آل البيت ع لإحياء التراث].
(11) بحار الأنوار 88: 285/ ك الصلاة، أبواب سائر الصلوات المسنونات... ، أبواب الاستخارات وفضلها و... ، ب8 النوادر، ذيل ح1 [ط3 دار إحياء التراث العربي].
(12) استفتاءات موقع السيد السيستاني: الاستخارة، س2.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب ◄ السؤال: هل القول بوفاة السيد زينب (عليها السلام) في نصف شهر رجب ثابت ويملك دليلاً معتبرًا قويًّا؟ ◄ الجواب: هذا هو القول المعروف المتداول المُلتَزَم به، إلا أن ذلك مبتنٍ على التسامح في هذه الموارد؛ إذ هذا ما يدل عليه حال الأدلة والاستدلالات التي ذكرها العلماء (رضوان الله عليهم وحفظ الأحياء منهم وأدام بركاته) في هذا الصدد. وبيان ذلك أن غاية ما يُستَدَل عليه في تحديد هذا التاريخ لوفاتها (عليها السلام) هو: ١. ما جاء في كتاب «أخبار الزينبات» -المنسوب للعبيدلي (رحمه الله)-، ونصُّه: "حدّثني إسماعيل بن محمد البصري عابد مصر ونزيلها، قال: حدّثني حمزة المكفوف، قال: أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي، قال: سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد الله، عن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري، تقول: توفيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد، لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة ٦٢ من الهجرة، وشهدتُ جنازتها، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ( ١ ) . فإن السند غير معتبر، وحت

تعليقٌ على كلام الشيخ الغروي حول البحارنة

‏انتشرت قبل أيام مقاطع ثلاث للمؤرخ الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي (حفظه الله)، يتحدث فيها حول «ابتلائنا بالشيعة البحارنة» -على حد تعبيره- وذلك في ما يرتبط بجعل الروايات ونقل المجعول منها؛ وذلك لأنهم أخبارية فلا يرون حرمة الكذب «لأهل البيت علیهم السلام»، ‏ولأجل استمرار تداول هذه المقاطع والسؤال عنها حتى هذه اللحظة وسعة انتشارها وغير ذلك، أحببت التعليق ببعض كلماتٍ أرجو بها الخير والنفع، لكني أقدِّم لذلك بأمرَين: • أولهما: الشيخ (حفظه الله) مؤرِّخٌ وصاحب مؤلفات نافعة، ولا يعني تعليقي هاهنا أنّي أرى غير ذلك إطلاقًا، بل أحترمه وأجلّه. ‏• وثانيهما: لا تعني نسبتي بعضَ الأمور لعلماء إيران أني أرى علماء إيران أقل شأنًا أو أني أنكر فضلهم في التشيّع، في الساحة العلمية وما هو أوسع منها، لا من بابٍ قوميٍّ ولا من سواه، بل إني أحترم وأقدّر حتى مَن سأشير لهم بالخصوص، بل ولا ألتزم ما يُدّعى في نقلهم ورواياتهم. ‏المقاطع الثلاث مأخوذةٌ من ندوةٍ لسماحة الشيخ بعنوان «النبي والوصي في آيات الغدير»(١)، أُقيمَت في أحد مرافق العتبة العباسية في كربلاء المقدسة، وذلك في ٣٠ أغسطس ٢٠١٩م، أي قبل نحو عامٍ من هذه الأ

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان ◄ السؤال: يُقال إن أدعية أيام شهر رمضان القصار المعروفة لم ترد في أي مصدر من مصادر الشيعة والعامة، وأن الشيخ عباس القمي نقلها لسد الفراغ فقط، لا اعتمادًا عليها، وأن تعابيرها ركيكة بالإضافة إلى أن تحديد ليلة القدر فيها لا يناسب ما نعتقده نحن الشيعة، وأنها موضوعةٌ لا مشروعية ولا صحة للعمل بها، فهل ذلك صحيح؟ ◄ الجواب: لا إشكال في أن الأدعية المذكورة ليست معتبرة النسبة للمعصوم، لكن الإتيان بها جائزٌ بناءً على المعروف بين علمائنا من العمل بقاعدة «التسامح في أدلة السنن» أو قاعدة «رجاء المطلوبية»، إلا أن يدلّ دليلٌ على وضعها، بل حتى لو دلَّ دليلٌ على وضعها، فلا إشكال –على الرأي المعروف بين علمائنا- في قراءتها دون التزام نسبتها للشارع المقدس . وبيان ذلك: أقدم من ظفرتُ بذكره لهذه الأدعية المعروفة هو السيد علي ابن طاوُس (عليه الرحمة) في كتابه «الإقبال»، حيث يذكر هذه الأدعية موزَّعةً على أبواب أيام شهر رمضان بدءًا من الباب الخامس وحتى الباب الخامس والثلاثين (١) ، وبعده ذكرها الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في كتابَيه «البلد الأمين» و«المصباح» نقل