بسم الله الرحمن الرحيم
قبل نحو 4 سنوات تطرَّق سماحة الشيخ مجيد التوبلاني في مقالةٍ له لذكر اسم السعيدي في قصيدة "عاصمة الصبر" التي ألقاها سماحة الشيخ حسين الأكرف في مأتم السنابس بذكرى وفاة أم البنين (رض) داعيًا لتنزيه القصيدة الحسينية من تضمينها لاسم مثل هذا الرجل(1)، و حقيقةً رغم تفاعلي مع القصيدة و تحمُّسي لها إلا أنني وجدتُني ميّالاً للاقتناع بها، بل و أكثر، و قد زاد من مَيلي في هذا الاتجاه كلامٌ لأحد العلماء اللبنانيين حينما أجرى معه الأخ الإعلامي باقر درويش مقابلةً(2) فسأله عن قصيدة الموكب البحرانية فحبَّذ الشيخ الابتعاد عن ذكر الأسماء الخاصة بالظرف البحراني أو الإقلال من ذلك و تعزيز الرمزية في ألفاظ القصيدة البحرانية لتكون رسالتها أعَم، فاللبنانيون -مثلاً- لا يتفاعلون مع مثل ذلك.
عمومية رسالة الحُسَين و عدم حصرها في ظرف خاص ببلد معيّن معيّن دون سواه و مراعاة آراء بعض المراجع بشأن طرح القضية السياسية في الموكب الحسيني و غير ذلك أجِدُها شخصيًا دوافع كافية لتجنيب الموكب ذكر الظروف السياسية و مُشكّلاتها كاسم الطغاة و القوانين و حتى أسماء قياداتنا و ما شاكل بشكلٍ صريحٍ جدًا، ففي ذلك حسبما أرى و أُشَخِّص تحجيمٌ للقصيدة الحسينية و حصرها في نطاق ضيِّق، بالرغم من تفاعلي واقعًا مع أغلب هذه القصائد و حماسي معها.
قد يقول قائل: "الحُسَين عِبرةٌ و عَبرة، و ليس عَبرةً فحسب"، و لستُ إلا مؤيِّدَه في ذلك، فأنا مِمَّن يرَون أن القصيدة الحسينية ذات جناحَين "عَبرة و عِبرة" إن سقط أحدهما اختلَّ توازن القصيدة في الكثير من الأحيان، و ليس في ذلك تناقض، فحضور العِبرة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو غيرها ليس محصورًا في الذكر الصريح لها، و كما أشار الشيخ اللبناني و الشيخ التوبلاني يُمكن تجنيب القصيدة الموكب ذلك عبر الإيحاءات و رمزية التعابير، و الأمثلة هنا حاضرة و موجودة حتى لدى أكثر مَن يُلحظ لديه ذلك من الرواديد -كالأكرف وسهوان مثلاً-، لِذا لا أظنُّ أنَّ هنالك رجاحةً للقَول باستحالة هذا الأمر أبدًا.
و قد يقول قائل: "هنالك حالاتٌ لا نستطيعُ فيها الاستغناء عن ذكر مُشكِّلات الظرف الخاص بصراحة"، تعليقي هنا هو أن وجود الحالات الاستثنائية أمرٌ وارد، لكن علينا أن ننتبه إلى أن يكون ذلك استثناءً لا حالةً عامة، و عند هذا الاستثناء ينبغي أن نتأمَّل بجدية: هل نحن في الظَرف المعني بحاجةٍ ملحةٍ حقًا للتصريح بذكر مُشكِّلات ظَرفنا من أسماء القيادات إلى أسماء الظلَمة إلى القوانين و ما شاكل ذلك؟ فإن كان ذلك حقًا في ذاك الظَرف فليكُن، و ليكُن ذلك بالقدر اللازم لا ما يتجاوزه.
شخصيًا أرى في هذه الرمزية في القصيدة العاشورائية: ابتعادًا عن تحجيم القصيدة الموكبية، تركيزًا للتوجُّه نحو الحسين أو المعصوم (ع) دون سواه، تعميق الارتباط به (ع) بشكلٍ أكبر، تعزيزًا لمركزيته و محوريته (ع) و قيادته و الالتفاف حوله و الارتباط به الانشداد له دون غيره من القيادات التي تكون دونه -مع احترامي لجميع القيادات-، استقطاب الموالين المُنتمين لمختلف الظروف الزمانية و المكانية المختلفة سواء كانوا من البحرين أم العراق أم القطيف أم الاحساء أم الكويت أم المدينة المنورة أم لبنان أم غيرهم و سواء كانوا من أبناء هذا اليوم أو أبناء الغد أو أتباع هذا المرجع الفلاني أو ذاك المرجع العلاني فيكون الموكب جامعًا شاملاً لكل من والى الحسين (ع) -و المعصوم عمومًا-، و إني لأرى في ذلك خلودًا أكثر لتلك الكلمات؛ و ذلك لأني أعتقد أن هذه الكلمات إنما تكتسب خلودها من الحسين (ع) و بمقدار ما تبتعد عن رمزياته و عن محورية قضيته -وقضية المعصومين عمومًا- فإنها تفقد شيئًا من خلودها.
و كما أعتقد، فإن هذا لا ينسحب على مجالس القراءة الحسينية إلا في نواحٍ ما و بنسبةٍ معينة فقط، نظرًا لطبيعة المجلس الحسيني و أسلوبه في أداء دوره الرسالي و إيصال رسالته.
-------------------------------------------------------------------------------------
(1) هنيئا للسعيدى دخوله موكبنا ولطمنا على اسمه !! - الشيخ مجيد التوبلاني
(2) مقابلة نُشِرَت في منتديات المالكية
اوافقك الرأي 100 بالمئة مرحوم انا من زمان كان رايي جذي بس ماحصلت فرصة اني اسولف معاك فيه (:
ردحذفكنت أنقاش هذه الموضوع مع نفسي، وخلصت من ذلك بأن القصيدة طالمنا لمن تكن تحاكي الواقع وترمز إليه فيه قصيدة غير مفيدة فهي للتذكير أو كما قلت "عَبرة" ! بمعنى لا تطلب مني شيء ولا تعنيني شخصياً. هذا أولاً، وقد يكون ذكر الواقع لا يكسب القصيدة صفة الخلود الدائم فلن تكون صالحة لكل الأوقات- بحكم تغيير الواقع.
ردحذفأتصور بأ القصيدة الحسينية أن كانت ذات طابع رمني، ترمز للواقع ، فيجب أن تكون واضحة ويمكن فهمها - فلا ننسى أن المشاركني هم فئات عمرية كبيرة وذو ثقافة متنوعة.
اوافقك الرايئ
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفالخطاب الديني عموما في كل محطاته بحاجة إلى ان يمر في مفرداته:
ردحذف- من المبدأ: الإصلاح
- إلى المصداق: الإمام الحسين (ع)
- إنتهائاً بالواقع: أمثلة حياتية معاشة
وإلا لكان خطاباً يصعب هضمه بالنسبة للكثير من الناس
المشكلة ليست هنا
المشكلة في الصياغة الأدبية لهذا النوع من الطرح
والصياغة الأدبية الراقية كفيلة بجعل الخطاب مستساغاً على جميع الصعد والأقطار
والله أعلم
سلمت يداك حبيبي أبو حسين
ردحذفبادئ ذي بدء ... فجيت علينا واشتقنا لرؤية الصالحين أمثالكم في "الديرة" .. أرجو من الله العلي القدير أن يعينك ويوفقك ويسددك دوما بحق محمد وآل محمد ..
لا أريد أن أطيل ... فقط إشارات
يجب أن يكون طموح العامل الإسلامي في شتى المجالات أعلى الطموح وأرقاها ..
و من الطموح الراقي ( الخلود )
عندما تطرح بعضالشخصيات المزامنة مع صدور القصيدة .. فإن القصيدة تنتهي بانتهاء تلك الشخصية وبانتهاء ذلك الزمن, وهذا يحد من القصيدو ويحجمها ويفقدها هدفها
حقيقة لسنا بحاجة الى إدخال الشخصيات في قصدائدنا الحسينية .. بالرمزية تعرف هذه الشخصيات .. وتكون أقوى في البيان
لعل لدي الكثير .. ولكن أكتفي ..
شكرا جزيلا أبو حسين ولا تنساني من صالح دعواتك..
في أمان الله
Hussain Al-Shaikh-Jafar says:
ردحذفالسلام عليكم
قواك الله أبو حسين.
أنا أتفق مع عدم تشخيص القصائد و الاحداث بغير شخصيات كربلاء ، و مع الرمزية في الطرح. كي لا تضيع القضية الحسينية و تحصينا لها من الاضافات التي قد تحرفها عن مسارها بقصد أو بغير قصد. وقبل أخذك بكلامي ، أرجو أن نعود للأئمة الأطهار و نقتبس في إحيائنا لقضية الحسين من إحيائهم عليهم السلام فهم القدوة و المرجع الأساس.
تقبل تحياتي و دعواتي
نسألكم الدعاء
وعليكم السلام والرحمة
ردحذفشكرًا لكم أحبتي، أنا هنا لستُ ضد أن تُحاكي القصيدة الحسينية واقعنا، فينبغي أن نستلهم من سيرة الأبرار ما فيه صلاح حالنا، ما يمدُّنا بالثبات على الحق و السير عليه، ما يمُدنا بالصبر، ما فيه لمصائبنا سلوة، و ليس في ذلك مشكلة بحسب تصوري، لكن ذلك غير محصور في التصريح و ذكر الأسماء -مثلاً- المرتبطة بظرفنا الخاص و كما يقول الشيخ التوبلاني: "بإمكان الشاعر أن يحرّك المشاعر ويحمّس الجماهير ويدافع ويهاجم دون التطرق للاسم، وهنا تكمن قوة شاعريته"، و لنا في الكثير من قصائد التسعينات خير مثال ..
دمتم أيها الأحبة :)
قبل فترة دخلت هنا وقرأت المقال وكنت قد إعتبرته ليس بالأمر المهم الذي يستوجب الطرح.. فتركته لحين آخر لقراءة ثانية.. وأجدني الآن أوافقكم الرأي
ردحذفتمنياتي لكم بدوام التوفيق