التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كسَلٌ قد ندفع ثمنه غاليًا

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل يومَين، في محاضرة مقرر "موضوعات مالية خاصة"، وعلى إثر الدرس الذي كان حول الخصخصة، تحدّثت دكتورتنا ديما الربضي عن المشاكل الناتجة عن الخصخصة في الأنظمة الرأسمالية، لتتحدَّث بعد ذلك عن بعض إشكاليات النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي وفشلهما البيِّن وتفضيلها لنظامٍ اقتصاديٍ آخر مُطبّق في كندا وهو النظام المختلط.

مع هذا الحديث الذي شاءت الصدفة أن يكون في 9 أبريل، كان لا بُدَّ لذهني أن يَسرح إلى هناك، إلى أرض الغري، لأبي جعفر السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، ولما بذله من جهدٍ فكريٍ عظيمٍ في هذا المجال كانت أبرز مظاهره كتاب "اقتصادنا" الذي رغم تفرُّده -مع فلسفتنا- بشهرةٍ وبروزٍ لافتَين لم يكُن جهد السيد الوحيد في هذا المجال. جهدٌ لم يلقَ تفاعلاً يليقُ به للأسف، غريبٌ أن يجتهد أحدهم في ريِّ الظامئ، فيعزف الظامي عن ارتشاف ولو قطرة!

حاجة الوجود -وليس المسلمين فحسب- للنهج الإسلامي وتفعيله على أرض الواقع حقيقةٌ لا أظنُّ أن للجِدال حولَها داعٍ خصوصًا بين الإسلاميين، ورغم ذلك فإن المصائب والكوارث تعصَف بالعالم ولا نرى حِراكًا حقيقيًا من المسلمين لتفعيل الحل الإسلامي لهذه المعضلات بل ولا لترويجه أو الحديث عنه حتى! ومن ذاك ما كان في أيام السيد الشهيد (قدس سره) وحتى يومنا هذا من كسلٍ في الترويج للمذهب الإسلامي في الاقتصاد، حينها كان الصراع قائمًا بين المذهبَين الاشتراكي والرأسمالي، بعدها انهار الاشتراكي وأثبت فشله ولم يستغل المسلمون فرصتهم السانحة! تسيّد الرأسمالي رغم عيوبه التي تكشّفَت حتى قارب على الانهيار في الأزمة المالية العالمية 2008م، ورغم الحديث حتى في بعض الأنظمة الغربية عن النظام الاقتصادي الإسلامي لم يبذل المسلمون إلا جهدًا خجولاً للترويج له فضلاً عن العمل على تفعيله ونشره!!

ها هي الكوارث تتكاثر في العالم، اقتصادية، سياسية، فكرية، إنسانية... إلخ، وليس منّا في الغالب إلا الكسل والجمود في الترويج للحل الحقيقي، الحل الأمثل لكلِّ ما يجري، بل أعظم من ذلك! تغزو مجتمعاتنا الأفكار والمناهج المنحرفة بمختلف أنواعها ولا يلاقي ذلك مِنّا إلا جهدًا يسيرًا خجولاً جدًا لا يكاد يدفع سوء ما يجري إلا بما لا يرقى حتى لأدنى مستويات الطموح!! وهذا ما جعلنا ويجعلنا وسيجعلنا ندفع الثمن غاليًا!! وبشكلٍ واضحٍ أقول أنَّ صلاح حالِنا والوجود مقرونٌ بالجهد في العمل على هذا المستوى في كل مجالات الحياة لا الاقتصادي فحسب، فهلاَّ تأمّلنا؟ أم أنَّنا لن نُحرِّك ساكنًا إلا بعد خراب البصرة؟!

تعليقات

  1. سلمت يمينك عزيزي..
    كم نحن في حاجة متعاظمة لمثل هذه الكتابات وبشكل يومي، رجائي ألا تبخلوا علينا بمزيد عطاء..

    ردحذف
  2. للاسف ..حصار القوى الرأس مالية للقوى الإسلامية غير المتمكنة بعد..يفرض على القوى الإسلامية ليس فقط عدم الترويج للفكر الإسلامي..بل حتى التبري من تطبيقة..فقط من أجل أن تتمكن هذه القوى.

    أتمنى فقط أن لا نحتاج ثورات مشابهه لثورات الربيع العربي مستقبلاً لكي نقلب المفاهيم السائدة إلى مفاهيم الإسلام

    ردحذف
  3. تسلم أبو حسين على المجهود
    أبو محمد

    ردحذف
  4. طرح مبدع بصراحة
    وأصاب كبد الواقع

    نفسية الأمة الإسلامية نفسية انهزامية أكثر منها كسولة
    وبحسب تعبير السيد فضل الله ... فالراحة حرام .. وكان السيد في تشخيصه للمشكلة يعطي حلا وهو (الطوارئية) .... يجب أن نعيش حالة طوارئ مستمرة كما يقول السيد رحمه الله
    ما نعيشه حالياً هو حالة استرخاء ... ناتجة حسب فهمي من وضع انهزامي

    ردحذف
  5. "محمد علي العلوي"
    شكرًا لك على حضورك سيدنا، أبشِر أعِدك بذلك ما استطعت إليه سبيلا

    "علي يحيى"
    أحسنت أبو حسين، يُرادُ فرضُ ذلك، فهل نستسلم لهذا الفَرض؟ وهل نحتاج فعلاً لثورات مستقبلية لهذا الغرض؟ أم أننا نستطيع أن نُبكِّر فنبدأ الحِراك من الآن فيكون عملنا في هذا الإطار تراكميًا مدروسًا فلا نحتاج للبدء من جديد لاحقًا؟ أتمنى أننا لا نحتاج حقًا لثورات أخرى، بل لتواصل الحِراك والبدء في تغيير الواقع العالمي من الآن.

    "أبو محمد"
    سلمك الله حبيبي أبو محمد.

    "المدرب محمد الملا"
    "حالة طوارئ مستمرة" تعبيرٌ في محله لما ينبغي أن نكون عليه، وقد أحسنتَ بالإشارة إلى الانهزامية، فبحسب رأيي أرى أن لها علاقةً قوية بواقع الحالة، وهي نتاج الكسَل وسببه في ذات الوقت!!

    شكرًا لكم أحبتي .. دمتم في حفظ الباري ورعايته :)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب ◄ السؤال: هل القول بوفاة السيد زينب (عليها السلام) في نصف شهر رجب ثابت ويملك دليلاً معتبرًا قويًّا؟ ◄ الجواب: هذا هو القول المعروف المتداول المُلتَزَم به، إلا أن ذلك مبتنٍ على التسامح في هذه الموارد؛ إذ هذا ما يدل عليه حال الأدلة والاستدلالات التي ذكرها العلماء (رضوان الله عليهم وحفظ الأحياء منهم وأدام بركاته) في هذا الصدد. وبيان ذلك أن غاية ما يُستَدَل عليه في تحديد هذا التاريخ لوفاتها (عليها السلام) هو: ١. ما جاء في كتاب «أخبار الزينبات» -المنسوب للعبيدلي (رحمه الله)-، ونصُّه: "حدّثني إسماعيل بن محمد البصري عابد مصر ونزيلها، قال: حدّثني حمزة المكفوف، قال: أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي، قال: سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد الله، عن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري، تقول: توفيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد، لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة ٦٢ من الهجرة، وشهدتُ جنازتها، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ( ١ ) . فإن السند غير معتبر، وحت

تعليقٌ على كلام الشيخ الغروي حول البحارنة

‏انتشرت قبل أيام مقاطع ثلاث للمؤرخ الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي (حفظه الله)، يتحدث فيها حول «ابتلائنا بالشيعة البحارنة» -على حد تعبيره- وذلك في ما يرتبط بجعل الروايات ونقل المجعول منها؛ وذلك لأنهم أخبارية فلا يرون حرمة الكذب «لأهل البيت علیهم السلام»، ‏ولأجل استمرار تداول هذه المقاطع والسؤال عنها حتى هذه اللحظة وسعة انتشارها وغير ذلك، أحببت التعليق ببعض كلماتٍ أرجو بها الخير والنفع، لكني أقدِّم لذلك بأمرَين: • أولهما: الشيخ (حفظه الله) مؤرِّخٌ وصاحب مؤلفات نافعة، ولا يعني تعليقي هاهنا أنّي أرى غير ذلك إطلاقًا، بل أحترمه وأجلّه. ‏• وثانيهما: لا تعني نسبتي بعضَ الأمور لعلماء إيران أني أرى علماء إيران أقل شأنًا أو أني أنكر فضلهم في التشيّع، في الساحة العلمية وما هو أوسع منها، لا من بابٍ قوميٍّ ولا من سواه، بل إني أحترم وأقدّر حتى مَن سأشير لهم بالخصوص، بل ولا ألتزم ما يُدّعى في نقلهم ورواياتهم. ‏المقاطع الثلاث مأخوذةٌ من ندوةٍ لسماحة الشيخ بعنوان «النبي والوصي في آيات الغدير»(١)، أُقيمَت في أحد مرافق العتبة العباسية في كربلاء المقدسة، وذلك في ٣٠ أغسطس ٢٠١٩م، أي قبل نحو عامٍ من هذه الأ

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان ◄ السؤال: يُقال إن أدعية أيام شهر رمضان القصار المعروفة لم ترد في أي مصدر من مصادر الشيعة والعامة، وأن الشيخ عباس القمي نقلها لسد الفراغ فقط، لا اعتمادًا عليها، وأن تعابيرها ركيكة بالإضافة إلى أن تحديد ليلة القدر فيها لا يناسب ما نعتقده نحن الشيعة، وأنها موضوعةٌ لا مشروعية ولا صحة للعمل بها، فهل ذلك صحيح؟ ◄ الجواب: لا إشكال في أن الأدعية المذكورة ليست معتبرة النسبة للمعصوم، لكن الإتيان بها جائزٌ بناءً على المعروف بين علمائنا من العمل بقاعدة «التسامح في أدلة السنن» أو قاعدة «رجاء المطلوبية»، إلا أن يدلّ دليلٌ على وضعها، بل حتى لو دلَّ دليلٌ على وضعها، فلا إشكال –على الرأي المعروف بين علمائنا- في قراءتها دون التزام نسبتها للشارع المقدس . وبيان ذلك: أقدم من ظفرتُ بذكره لهذه الأدعية المعروفة هو السيد علي ابن طاوُس (عليه الرحمة) في كتابه «الإقبال»، حيث يذكر هذه الأدعية موزَّعةً على أبواب أيام شهر رمضان بدءًا من الباب الخامس وحتى الباب الخامس والثلاثين (١) ، وبعده ذكرها الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في كتابَيه «البلد الأمين» و«المصباح» نقل