بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) في كتابه الخصال: حدَّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفيّ، قال: حدَّثنا علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: "للإمام علاماتٌ: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويُولَد مختونًا، ويكون مطهَّرًا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يدَيه، ولا يكون له ظلٌّ... الخ"(1)، وقال بعضهم ما ملخَّصه: أن سند هذه الرواية مُعتبَرٌ عند متشدّدي علمائنا في الرجال، ثم أثار تساؤلاً مفاده: إن كانت هذه العلامات موجودةً في الإمام وبعضها ظاهر كعدم الظل، فما سبب الحيرة في معرفة الإمام (عليه السلام)؟ وهنا لا بأس بتعليقاتٍ موجَزة:
أولاً: اعتبار سند الرواية عند (المتشدّدين)
قد يوحي تعبيره عن كَون سند الرواية مُعتبَرًا عند المتشدّدين في الأسانيد من علمائنا بأن الحديث مِمَّا لا نقاش في اعتبار سنده، المُتَشَدِّد يراه معتبرًا، فما بالك بسواه؟ وسواء قصد المتحدِّثُ هذا الإيحاء أم لم يقصده، فهو غير تامٍ، وعلى سبيل المثال -لا أكثر- مَن لا يقبَل بكَون ترضّي الصدوق أمارةً على التوثيق كالسيد أبي القاسم الخوئي (عليه الرحمة) -وهو مِن أبرز الموصوفين بـ(التشدُّد)-(2) لا يتبنَّى اعتبارَ السند، نعم يُمكِن أن يُحتَمَل اعتبارُ السند عند أحد مَن يوصَفون بـ(التشدُّد)، وهو السيد محمد رضا السيستاني، لكن لا يمكن الجزم بذلك دون نصٍّ خاصٍ منه في هذا المورد(3)؛ إذ هنالك إشكالٌ آخر يعتري السند غير حال أفراد رجاله، ولا داعي لمزيدٍ من الإطالة بذكر ذلك الإشكال الآخر وتفصيله.
ثانيًا: أما التعارض!
حتى مع إغماض العين عن سند الرواية، وعن الموقف الأرجح علميًا منه -إذ لا يبعد القول برجحان احتمال اعتباره-، فإن هذا التعارض المُتَوَهَّم لا استقرار له -عند المُتَنَبِّه الملتفت- من الأصل؛ إذ:
1) معرفة علامةٍ من علامات الإمامة لا يعني العلم بتحقُّقها في شخصٍ متشخِّصٍ باسمه ورسمه، بل لا بُدَّ من ملاحظته الظروف المناسبة لظهورها، فلا يُتَرَقَّب انعدام الظلّ عند المساء -مثلاً-.
2) كما أنَّ معرفة البعض لعلامةٍ ما لا يعني معرفة الجميع بها، فاستكشاف الإمام (عليه السلام) عبر العلامة الفلانية المعينة إنما يكون من العالم بها لا سواه، فلا غرابة في أن لا يستكشف غير العارف بالعلامة (أ) المتصفة بالوضوح واليُسر الإمامَ من خلالها.
3) أضف لذلك أنّ سرعة معرفة الإمام (عليه السلام) ويُسرها يتفاوتان بين طريقٍ وآخر، فيسره عن طريق العلامة الفلانية يختلف عن يُسره عن طريقة العلامة الأخرى، ويُسره عن طريق العلم باسم وشخص لمنصوص عليه بإخبار السابق عن اللاحق يختلف عن يُسره عن طريق الإعجاز، وهكذا...
ثالثًا: وعاملٌ آخر!
بالإضافة لدور نفس الطريق في يُسر أو سرعة الوصول لشخص الإمام من خلاله، فإن للظروف الخاصة التي مرّوا بها (عليهم السلام) -لا سيَّما بعضهم- أيضًا دورًا ألزمهم اتخاذ إجراءات تفرضها التقية، كالذي جرى مع إمامنا ومولانا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وحفيده القائم (عجَّل الله فرجه)، وهذا وإن لم يمنع من معرفة الإمام -كما هو واضح- إلا أنّ له دورًا في غموضٍ لدى البعض من المؤمنين مِمَّا يجعل الأمر أقل يُسرًا وسهولة من الحال دونه.
---------------------------------
(1) الخصال: ج2، أبواب الثلاثين وما فوقَه، للإمام ثلاثون علامة، ح1، ص576 [ت الشيخ غفاري ط9 مؤسسة النشر الإسلامي (جماعة المدرّسين)].
(2) بل قد نصَّ صراحةً على عدم تبنّيه وثاقة الطالقاني في معجمه حيث قال: "أقول في هذه الرواية دلالة واضحة على تشيع محمد بن إبراهيم، وحُسن عقيدته، وأما وثاقته فهي لم تثبت، وليس في ترضي الصدوق (قدس سرُّه) عليه دلالةٌ على الحسن فضلاً عن الوثاقة" (معجم رجال الحديث: ج15، حرف الميم، ت9961، ص230) [ط5 مؤسسة الإمام الخوئي].
(3) ولستُ أدري أصلاً مَن الذي صرََّح باعتبار السند من الموصوفين بـ(التشدُّد)!!
تعليقات
إرسال تعليق