التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لم يجب أن يُسَفَّه رأيي


ورد في الخبر أن الإمام الحسن بن عليٍ المجتبى (عليه السلام) عندما أبرم الصلح مع معاوية نودي –جلَّ عن ذلك- بـ"مذلِّ المؤمنين"، واختلفت المصادر، ففي دلائل الإمامة للطبري الصغير –مثلاً- أن المنادي حجر بن عدي(1)، وفي الكشي أنه سفيان بن [أبي] ليلى(2)، وفي رواية تحف العقول نسبته للشيعة دون تعيين(3)، وتكرُّر هذا النداء غير مستبعد.

وعلى كلّ تقديرٍ، فإن وقوع المنادي بهذا النداء في هذا المُنزَلَق –لا سيّما لو كان حجر (رضوان الله عليه) مع ما له من رسوخٍ في شأن الولاية- مدعاةٌ للحذر الشديد من الانجرار وراء الحماسة أو حتى ما نظنه ترويًا، بل وراء مطلق تقييماتنا وميولاتنا الشخصية والنفسية غير المقيَّدة بمعايير العلم والشرع، ومدعاةٌ للعضّ بالنواجذ على التسليم المطلق لأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، قال الإمام الحسن (عليه السلام) في حديثٍ له عن علة صلحه: "يا أبا سعيد، أ لست حجة الله (تعالى ذكره) على خلقه وإمامًا عليهم بعد أبي (عليه السلام)؟ قال الراوي: بلى. فقال (عليه السلام): أ لست الذي قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لي ولأخي "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". قال الراوي: بلى. فقال (عليه السلام): فأنا إذن إمامٌ لو قمتُ، وأنا إمامٌ إذ لو قعدت. يا با سعيد، علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل. يا با سعيد إذا كنت إمامًا مِن قِبَل الله (تعالى ذكره) لم يجب أن يسفه رأيي فيما آتيته من مهادنةٍ أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسًا..."(4).


----------------
(1) دلائل الإمامة: أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، ح8(77)، ص166 [ط2 مؤسسة البعثة].
(2) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص194 [ط1 وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي].
(3) تحف العقول: ما روي عن الصادق (عليه السلام)، وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول، ص308 [ط8 مؤسسة النشر الإسلامي].
(4) علل الشرائع: ج1، ب159 العلة التي من أجلها صالح الحسن...، ح2، ص281 [ط2 السيد فضل الله الطباطبائي اليزدي].

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب

الأسئلة (١٠): وفاة الحوراء في منتصف رجب ◄ السؤال: هل القول بوفاة السيد زينب (عليها السلام) في نصف شهر رجب ثابت ويملك دليلاً معتبرًا قويًّا؟ ◄ الجواب: هذا هو القول المعروف المتداول المُلتَزَم به، إلا أن ذلك مبتنٍ على التسامح في هذه الموارد؛ إذ هذا ما يدل عليه حال الأدلة والاستدلالات التي ذكرها العلماء (رضوان الله عليهم وحفظ الأحياء منهم وأدام بركاته) في هذا الصدد. وبيان ذلك أن غاية ما يُستَدَل عليه في تحديد هذا التاريخ لوفاتها (عليها السلام) هو: ١. ما جاء في كتاب «أخبار الزينبات» -المنسوب للعبيدلي (رحمه الله)-، ونصُّه: "حدّثني إسماعيل بن محمد البصري عابد مصر ونزيلها، قال: حدّثني حمزة المكفوف، قال: أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي، قال: سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد الله، عن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري، تقول: توفيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد، لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة ٦٢ من الهجرة، وشهدتُ جنازتها، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ( ١ ) . فإن السند غير معتبر، وحت

تعليقٌ على كلام الشيخ الغروي حول البحارنة

‏انتشرت قبل أيام مقاطع ثلاث للمؤرخ الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي (حفظه الله)، يتحدث فيها حول «ابتلائنا بالشيعة البحارنة» -على حد تعبيره- وذلك في ما يرتبط بجعل الروايات ونقل المجعول منها؛ وذلك لأنهم أخبارية فلا يرون حرمة الكذب «لأهل البيت علیهم السلام»، ‏ولأجل استمرار تداول هذه المقاطع والسؤال عنها حتى هذه اللحظة وسعة انتشارها وغير ذلك، أحببت التعليق ببعض كلماتٍ أرجو بها الخير والنفع، لكني أقدِّم لذلك بأمرَين: • أولهما: الشيخ (حفظه الله) مؤرِّخٌ وصاحب مؤلفات نافعة، ولا يعني تعليقي هاهنا أنّي أرى غير ذلك إطلاقًا، بل أحترمه وأجلّه. ‏• وثانيهما: لا تعني نسبتي بعضَ الأمور لعلماء إيران أني أرى علماء إيران أقل شأنًا أو أني أنكر فضلهم في التشيّع، في الساحة العلمية وما هو أوسع منها، لا من بابٍ قوميٍّ ولا من سواه، بل إني أحترم وأقدّر حتى مَن سأشير لهم بالخصوص، بل ولا ألتزم ما يُدّعى في نقلهم ورواياتهم. ‏المقاطع الثلاث مأخوذةٌ من ندوةٍ لسماحة الشيخ بعنوان «النبي والوصي في آيات الغدير»(١)، أُقيمَت في أحد مرافق العتبة العباسية في كربلاء المقدسة، وذلك في ٣٠ أغسطس ٢٠١٩م، أي قبل نحو عامٍ من هذه الأ

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان

الأسئلة (١٣): أدعية أيام شهر رمضان ◄ السؤال: يُقال إن أدعية أيام شهر رمضان القصار المعروفة لم ترد في أي مصدر من مصادر الشيعة والعامة، وأن الشيخ عباس القمي نقلها لسد الفراغ فقط، لا اعتمادًا عليها، وأن تعابيرها ركيكة بالإضافة إلى أن تحديد ليلة القدر فيها لا يناسب ما نعتقده نحن الشيعة، وأنها موضوعةٌ لا مشروعية ولا صحة للعمل بها، فهل ذلك صحيح؟ ◄ الجواب: لا إشكال في أن الأدعية المذكورة ليست معتبرة النسبة للمعصوم، لكن الإتيان بها جائزٌ بناءً على المعروف بين علمائنا من العمل بقاعدة «التسامح في أدلة السنن» أو قاعدة «رجاء المطلوبية»، إلا أن يدلّ دليلٌ على وضعها، بل حتى لو دلَّ دليلٌ على وضعها، فلا إشكال –على الرأي المعروف بين علمائنا- في قراءتها دون التزام نسبتها للشارع المقدس . وبيان ذلك: أقدم من ظفرتُ بذكره لهذه الأدعية المعروفة هو السيد علي ابن طاوُس (عليه الرحمة) في كتابه «الإقبال»، حيث يذكر هذه الأدعية موزَّعةً على أبواب أيام شهر رمضان بدءًا من الباب الخامس وحتى الباب الخامس والثلاثين (١) ، وبعده ذكرها الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في كتابَيه «البلد الأمين» و«المصباح» نقل