سئل سماحة الشيخ معين دقيق العاملي (حفظه الله) -إجمالاً- حول منشأ دعوة السيد الخميني (رحمه الله) والاهتمام بقضية القدس، فأشار في جوابه لعدة شواخصٍ تساهم في الالتفات لأبعاد هذه الدعوة، ويهمني أن أنطلق من خلال الشاخص الثالث منها، حيث قال: "الشاخص الثالث: إنّ الغدة السرطانية التي أوجدوها في فلسطين من خلال ما يسمى (وعد بلفور)، ومن ورائها الاستكبار العالمي، يسعون جاهدين لإيجاد التفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية، وكانت البداية التفرقة الجغرافية من خلال ما حصل من نتائج معاهدة (سايكس بيكو)... "(1).
أقول: فلنُمعِن النظر في ما يرتبط بهذا الشاخص، وأكون صريحًا إذ أقول أني لا أعني بذلك الحديث عن (الفِرقة)، بل أعني الحديث عن مشروع سايكس بيكو، وعن تداعياته، فلنتأمَّل كيف استُغفِل الساذج الشريف حسين وتصوَّر أنه ماضٍ في مشروعه ذي الشعارات البراقة، الوحدوي العربي، التحرّري من الدولة العثمانية وسلطتها في حين أنه في الواقع إنما كان يسير -ويُسيِّر البلدان العربية معه- نحو المصيدة الاستعمارية الكبيرة، نحو الهاوية.
ولِمَ أرى أنه سار نحو الهاوية؟ أراه كذلك لأن المشروع كان أخطر من مجرَّد مشروعٍ سياسيٍ، وقد نجح الآخر في المضي بمشروعه لحدٍ هائل، بينما كان هذا القيادي حسبما وصلنا عنه -حتى من المفتخرين به- غافلاً غير ناظرٍ للأبعاد الخطيرة، ليست (سايسك/بيكو) ولا (وعد بلفور) إلا مرحلةً من مراحل هذا المشروع الشامل البالغ الخطورة، والذي رُوِّجَ لمرحلةٍ من مراحله بعنوان (الشرق الأوسط الكبير).
وحينما أقول "المشروع الشامل"، فإني أعنيها حرفيًا، مشروعٌ شامل، يتعلق -قبل البعد السياسي- بالبعد العقائدي والفكري والثقافي والحضاري، والمُستهدَف فيه ليس أبناء الرقعة الجغرافية المسماة بـ"فلسطين" فحسب، بل هو أوسع من ذلك بكثير، لا أناقشك في العمل لمواجهة هذا المشروع بعنوان (يوم القدس العالمي) أو بغيره مِمَّا تحب، لكني أركِّز على أهمية أن نكون في بصيرةٍ ويقظةٍ تجاه هذا المشروع وأبعاده وتداعياته، وإن كنتَ من التيار الفلاني أو الآخر العلاني، فالقضية -لا سيما في بعدها العقدي والفكري- تمسُّ جميع المؤمنين وتستنهضهم، وإن عنوَن السيد الخميني (رحمه الله) القضية بـ(القدس)، فلما لها من رمزيةٍ في القضية وفي ضمائر المسلمين، ولا يُغني التمسُّك بالرمزية دون المرموز له، والمطلوب بعينه إنما هو مواجهة نفس المشروع ومظاهره، مهما اختلفت رؤانا في جزئياتٍ هنا أو أخرى هناك.
-----------------------
(1) ضمن أجوبته المنشورة في قناة (روضة الولاية) -التابعة له- في التلگرام، رقم السؤال: 453، (وصلة القناة: https://telegram.me/rawda_wilayah ).
تعليقات
إرسال تعليق