بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): "هذا هو الأذان الصحيح لا يُزاد فيه ولا يُنْقَص منه، والمفوضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخبارًا وزادوا في الأذان: "محمد وآل محمد خير البرية" مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد "أشهد أن محمدًا رسول الله" "أشهد أن عليًا ولي الله" مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك "أشهد أن عليًا أمير المؤمنين حقًا" مرتين. ولا شكَّ في أن عليًا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقًا وأن محمدًا وآله (صلوات الله عليهم) خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان"(1).
ولا بأس هنا بالإشارة لنقاط:
أولاً: كلام الشيخ الصدوق هذا ليس روايةً، بل هو كلام نفس الشيخ (رحمه الله)، وعليه فلا يَصُحُّ من بعضهم (أقالني الله وإيّاه من الزلل) في ضمن هذه الأجواء -أو غيرها- أن يقولَ: "كتب الصدوق ليست قرآنًا فيها الغث والسمين فيها الصحيح والضعيف (..) وحديث لعن كل شيعي يقول بالشهادة الثالثة مخالف للقرآن والحديث الصحيح".
ثانيًا: الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) لم يلعن الشاهدين بالثالثة في أثناء الأذان، لا بقصد الجزئية ولا بغيرها، بل كان لعنه مُتَّجهًا لخصوص المُفَوِّضة لا أكثر من ذلك، فلا يصحُّ من بعضهم (أصلحني الله وإيّاه) أن يقول: "إذًا الشيخ الصدوق الآن، كل مَن يقول في الأذان "أشهد أنّ عليًا ولي الله"، الشيخ الصدوق ماذا فعل له؟ ملعون ها! مِن قِبَل الشيخ الصدوق".
ثالثًا: كلام الشيخ الصدوق عن وضع المُفَوِّضة إنما هو عن رواياتٍ ورد فيها أنّ الشهادة الثالثة من الأذان أي من فصوله، وبتلك الألفاظ بخصوصها، وتعميم ذلك لرواياتٍ أعم منها -كالتي دلَّت على استحباب الشهادة الثالثة بعد الأولى والثانية في نفسها دون التعرُّض للأذان- تبرُّعٌ من المُعَمِّم، ولا دليل عليه.
رابعًا: الإفتاء من صلاحية الفقيه حصرًا، وتجاوز ذلك واستباحةُ أحدهم (أقالني الله من الزَلَل وإيّاه) التصدّي للإفتاء للمؤمنين -في حديث جمعةٍ أو غيره- بِدَعوى أن الصدوق بكلماته تلك شهد بوَضع تلك الإخبار حِسًا -أو غيرها- يُمكِن أن تُقابلها دعوى نظيرٍ له ينقل رواية الاحتجاج ثم يُشير لقَول الطبرسي في مقدمة الاحتجاج: "ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده؛ إما لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلَّت العقول إليه، ولاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف إلاّ ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري... "(2)، ولا يَصُحُّ لا هذا ولا ذاك، إنما ترجع الناس في أحكامها الشرعية النظرية لفقهائها.
خامسًا: العمل بمقتضيات قاعدة الإتيان برجاء المطلوبية ليس من البِدعةِ في الدين، فضلاً عن ما لو أفتى الفقيه في ذلك بالاستحباب صريحًا، فضلاً عن غير ذلك وسواه.
أقول ذلك؛ منعًا للالتباس الذي يُحتَمَل حصوله مع بعض الإثارات هنا وهناك، مع التذكير مُجَدَّدًا بأنّ مسألة الإتيان بالشهادة الثالثة شأنٌ فقهيٌ اجتهاديٌ يرجع فيه كل مُكَلَّفٍ للفقيه الجامع للشرائط الذي يُقَلِّده أو لِمَن ينقل عنه، لا لأيِّ مُتَحَدِّثٍ هنا وهناك.
------------------------------
(1) مَن لا يحضره الفقيه: ج1، أبواب الصلاة وحدودها، ب44 الأذان والإقامة... ، ذيل ح897(34)، ص290 [ط5 مؤسسة النشر الإسلامي].
(2) الاحتجاج: ج1، ص4 [ط8 دار الأسوة].
تعليقات
إرسال تعليق