بسم الله الرحمن الرحيم
تحدثتُ قبل أيام حول عبارةٍ للديلمي (رحمه الله) في كتابه إرشاد القلوب عن أثر الدفن في الغريّ، ورغم أن صاحب الإشكال الذي قمتُ بالتعليق على كلامه حينها أشار للتشكيك في انتساب الجزء الثاني من الكتاب -وهو الذي تتضمَّنه العبارة المعنية- للمؤلّف، إلا أني اكتفيتُ بالإشارة إلى أنّ هذه البحوث مِمَّا لا يُبَتُّ فيها ويُجزَم إلا بعد تحقيقٍ وتدقيقٍ من أهل الميدان، إلا أنَّ تساؤل بعض المؤمنين، وإصرار المستشكل على التشويش المَقيت ومخالفة النهج العلمي، يجعلاني أستحسن الحديث عن هذه المسألة بإيجازٍ غير مُخِل، فأقول:
للحسن بن أبي الحسن الديلمي (رحمه الله) كتابٌ باسم (إرشاد القلوب) وهو مطبوعٌ في مجلَّدَين، وقد صدر من بعض العلماء موقفٌ سلبيٌ من نِسبة المجلَّد الثاني منه للديلمي (رحمه الله)، ومنهم: الميرزا عبدالله الأفندي الإصفهاني(1)، والسيد محمد باقر الخونساري(2)، والسيد محسن الأمين(3) (رحمهم الله). وفي مقابلهم كان هنالك من له موقفٌ إيجابيٌ من نسبة المجلد الثاني للديلمي (رحمه الله)، ومنهم: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي(4)، والشيخ محمد باقر المجلسي(5)، والشيخ محمد محسن الآغا بزرگ الطهراني(6) (رحمهم الله).
ومِمَّا ذُكِرَ من القرائن التي استُنِدَ عليها في تضعيف نسبة الجزء الثاني من الكتاب للديلمي:
1) تصدير الجزء الثاني بأبياتٍ للحافظ رجب البرسي، في حين أنّه يُفتَرَض تأخُّر البرسي -زمنًا- عن الديلمي، فكيف ينقل عنه؟
وفي المقابل: يُمكِن أن يُقال أن هذه الأبيات مُلحَقَةٌ بالكتاب مِن قِبَل بعض النُسَّاخ، لا سيّما مع ملاحظة عدم اتفاق النسخ على إيرادها -كما أُثبِتَ في إحدى الطبعات(7)-، بل خلوها من كلّ المقدمة التي اشتملت عليها.
2) قوله: "وذكره المجلسي (ره) في المجلد التاسع من كتاب بحار الأنوار والسيد البحراني في كتاب مدينة المعاجز بتغير ما، فمن أراده، فليراجعهما"(8)، والمفروض أنه متقدِّمٌ -زمنًا- على الشيخ محمد باقر المجلسي والسيد هاشم البحراني (رحمهما الله)، فكيف ينقل عنهما؟
وفي المقابل: يُمكِن أن يُقال أنها من إضافة النُسَّاخ أو حواشيهم أيضًا، ويؤكِّد ذلك أن المجلسي (رحمه الله) نفسه قد نقل عن الجزء الثاني من الكتاب.
3) استفادة انحصار موضوع الكتاب في الحِكَم والمواعظ من مقدمة الكتاب أو عنوانه.
وفي المقابل: يقول بعض المحقِّقين: "وأما قوله (قدّس سره) -أي الخونساري- "كلها في الحكم والمواعظ" فلم نجد في خطبة الكتاب ما يدلّ على هذه (الكلية). وأما ما في الأعيان -للسيد الأمين- من الاسترشاد باسم الكتاب على أنه في المواعظ خاصّة، مُندَفعٌ أيضًا؛ إذ أنّ اسم الكتاب هو (إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي مَن عمل به من أليم العقاب) لا يوحي كونه من المواعظ خاصّة، وأنّ ما في الجزء الثاني من الكتاب يندرج تحت هذا العنوان؛ لأن التذكير بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) من فواضل الأمور، أ ليس هو المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟! أ ليس حُبّه جُنَّةً من النار وأمانًا من العذاب؟! وهل نجاةٌ تُرجى دون التمسُّك بولايته (عليه السلام)؟!... "(9).
وكيف كان، فكلامي هذا ليس حاسمًا للخلاف في المسألة، ليس الأمر بهذه الصورة، بل لا بُدَّ من تتبُّع نسخ الكتاب والتدقيق فيها والتمحيص في أحوالها، لم أذكره لحسم رأيٍ وترجيحه على خلافه، إنما أردت إعطاء صورةٍ موجزة تُنَبِّه على ملامحٍ من واقع المسألة من غير تهويلٍ وتلبيس وتشويش -لا كما الحاصل من المستشكل-، وللتنبيه على أنّ المسألة ليست بالهيئة التي يتحدّث عنها الرجل، فيستبيح بذلك التعريض بالفقهاء وتوصيفهم بـ"علماء السوء" -والعياذ بالله-، وبالالتفات لذلك ينكشف لك الغطاء عن وَهن إشكاله وهُزاله من هذه الجهة.
وأترك الحديث عن بعض إشكالاته الأخرى لا لضيق المقام، بل لأن بطلانها أوضح من أن يُدَلَّ عليه ببرهان، وما التوفيق إلا بالله.
----------------------------------------------
(1) رياض العلماء: ج1، الحاء، حسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي، ص340 [ط مكتبة المرعشي].
(2) روضات الجنات: ج2، ب ما أوله الحاء المهملة، ت201، ص291 [ط مكتبة إسماعيليان].
(3) أعيان الشيعة: ج5، أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي...، ص251 [ط دار التعارف].
(4) أمل الآمل: ج2، ت211، ص77 [ط2 مؤسسة الوفاء].
(5) راجع مثلاً: بحار الأنوار: ج97، ك المزار، أبواب زيارة أمير المؤمنين (ع)، ب1 فضل النجف وماء الفرات، ذيل ح25، ص232 [ط2 دار إحياء التراث العربي].
(6) الذريعة: ج1، ارش 2527، ص517 [ط3 دار الأضواء].
(7) لاحظ: طبعة منشورات الرضي من الكتاب.
(8) إرشاد القلوب: ج2، في فضائل ومناقب أمير المؤمنين... ، في أنه أوتي فهمَ الكتاب وفصل الخطاب، ص298 [ط منشورات الرضي].
(9) أعلام الدين: مقدمة التحقيق، ترجمة المؤلف، مؤلفاته، إرشاد القلوب... ، ص23 [ط3 مؤسسة آل البيت لإحياء التراث].
تعليقات
إرسال تعليق